مى عمر تكتب: كوكو عن الراحلين و المرتحلين

![]() |
رسوم متحركة |
بعض الأفلام لا تحتاج إلا مشاهدتها لتفجر بداخلك الأفكار والمعاني، وفيلم كوكو – الحائز على جائز الأوسكار كأفضل فيلم رسوم متحركة – من هذا النمط.
![]() |
مى عمر |
وتجرى أحداث الفيلم فى “يوم الموتى” وهو مناسبة مكسيكية ذات شهرة واسعة يوافق الأحتفال به يومى الأول والثانى من شهر تشرين الثانى “نوفمبر”، حيث يتذكر المكسيكيون أسلافهم وأقاربهم الذين فارقوا الحياة.
عنصر الفيلم الأول هو الجدال بين الحلم والعائلة، فالحلم الأساس الذى يولد الأمل لدى الأنسان لتحقيقه هو الحالة التى تولد الشعور بالأمل وهذا الشعور يتفق العالم على انه أساس الحياة، إن الحلم هو الشغف والمغامرة والجنون والمنطق، هو نقيض الشرق والغرب وأسطورة التاريخ، قديما قيل إن الحالمون يكلفون البشرية كثيرا، فهم مرهقون للعالم بأحلامهم وطموحهم ورؤيتهم التى تكلف الجميع ثمنا باهظا لتحقيقها، فى كوكو حان الوقت لنتحدث عن الثمن الذى يدفعه الحالم نفسه والثمن الذى تدفعه البشرية لقاء هذا الحلم وان كان الفيلم خلى من فكرة البشرية التى تدفع ثمن الأحلام للآخرين ولكنه لم يخلو بشكل نهائي، فالمغنى الذى ألف كل الأغانى وكان أولى بالشهرة دفع ثمن طموح صديقه بالموت، فالطموح الحالم “دى كروز” لم يكن ليسمح لأعز أصدقائه بأن يدمر خطوط أسطورته الناشئة وهو فى طريقه للصعود فكان الموت ثمنا يدفعه “هيكتور” لحلم “لا كروز”، إما “هيكتور” الحالم نفسه يدفع هذا الثمن بالنسيان فالموت لا يحرمه من الحياة والأحباء معا بل يحرمه من الذكرى – فالتقليد المكسيكى يقول: إذا تم نسيانك من عالم الأحياء ولم يعد احد يحكى عنك قصصك أو يضع صورتك على مذابح العائلة فأنت إذا المنسى فى عالم الموتى، هناك تتبخر أو تتلاشى تصبح غبار سحرى منسى كما تم نسيانك فى عالم الأحياء – وهذا الثمن الذى يدفعه هيكتور جراء اختياره للطموح والحلم بعيدا عن العائلة والأسرة، فهو مهدد بالنسيان فى عالم الموتى، فهو يدفع ثمن فوق ثمن الموت، لان العائلة لم تسمح له بشرف الذكرى.
عنصر آخر فى الفيلم، هو التلاعب بفكرة الموت والحياة الأخرى، ربما تشاهد الفيلم وتقول فى نفسك “إن الموت ليس هو الأسوء بعد كل شئ”، ذلك العنصر كان بطله هو ذلك الممر المصنوع من الورد، فذلك الممر هو الطريق الراحلين للزيارة ثم العودة إلى عالم الموتى.
و عنصر ثالث هو النسيان، فقد كان استخدام فكرة النسيان كعقاب عبقريا، وهذا جعلنى اتسائل كم أحدا منا ترك المجال للراحلين لكى يبتلعه الورد، كم أحدا منا نسى الأخرين، كم إننا نرتكب خطيئة النسيان فى حق الأحباء الراحلين، وكيف أن الفيلم وجد حلا سحريا لألام الأحياء عن الموت، تلك الالآم التى تدفع بنا إلى تجاهل الحقيقة الوحيدة فى عالمنا الكبير، وكيف أن الأحياء يجب أن يقفوا فى الوسط بين أن نتجاهل الموت والموتى وبين أن نقع فى هاوية كآبة الموت، كيف انه يمكننا أن نتقبل رحلة الآخرين بهدوء وابتسام للذكرى والحزن للفراق، وهذا أعظم ما فى الفيلم تقريبا وهو تجميل الموت، فهو ليس أكثر من “ممر من الورد” علينا إن نسيره جميعا.
كما أنه ضرب على الوتر الأعظم الذى يقع فى فخ فلكه الدائر كل شباب العالم وهو تكوين المجد الأعظم، والفكرة الجنونية التى تسيطر على الشباب حول سطوة التاريخ، وإن تتزين بزهور المجد التاريخى هو الغاية الأكمل، بدلا من أن تسقط فى فخ روتين الحياة العام وإنجاب الأطفال الذين لا يكفون عن الضجة، هنا يكمل سر خلطة فيلم “كوكو”، فيعيدنا إلى هدف البشرية الأسمى، إلى طرقات من غبار الهجرة، إلى مفاهيم الأقدمين إلى العائلة والأسرة والابن والأحفاد والترابط.
ورغم إن الفيلم ذكرنا بذلك الوتر وعزف عليه بامتياز، الأ إن النهاية جاءت غير متطرفة ولم تسطر نقطة النهاية الحاسمة للجدلية المطلقة بين الأولوية للعائلة أو للحلم والمجد، بل أكدت على الاثنين على الرحلة للمجد والارتحال إلى الموت والذكرى من العائلة.