أعظم قصة حب شرعية في التاريخ!!

الصهر الكافر .. والعشق الجارف!

 

ــ سجل لنا التاريخ قصص حب عظيمة مشروعة وغير مشروعة، وإن أعظم قصة حب وعشق مشروعة في التاريخ فكانت قصة الصهر الكافر لرسول الله، قصة أبي العاص والسيدة زينب.

ــ أبو العاص بن الربيع المكيّ القرشي هو ابن عم رسول الله وابن خالة السيدة خديجة، نشأ محبا للتجارة، عُرف بصدقه وأمانته ووفائه، تزوج زينب بنت النبي قبل البعثة، أحبها وأحبته لدرجة العشق، ولما أسلمتْ كره أن يسلم، فحرضه المشركون على طلاقها، وأغرَوه أن يزوّجوه أحسن منها، فقال: لا والله إني لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بها نساء الدنيا جميعا، وقد بادلته زينب الحب لدرجة أنها آثرته فبقيت معه في مكة ولم تهاجر مع النبي، ولم يكن هناك مانع من زواج الكافر من مسلمة والعكس آنذاك.

ــ تمر الأيام حتى يخرج أبوالعاص لقتال النبي في غزوة بدر، فيحترق قلب زينب على أبيها وحبيبها، فهي لا تقبل أن يُمسَّ النبي بسوء، وتكره أن يصاب زوجها بأذى وهو العاشق لها، فشاء الله أن يكون أبو العاص ضمن الأسرى، فتفتديه زينب بقلادة أمها، فلما رآها النبي عرفها وتأثر بها، وقال: إنها قلادة خديجة، فأوصى صحابته أن يردّوها لزينب ويفكّوا أسيرها، ولم يصدر أمرا عسكريا بوصفه حاكما؛ حتى لا يكون في قلوبهم شيء من ذاك، فاستجابوا له، فاشترط عليه أن يسيّر إليه زينب فورا.

ــ وفّى أبو العاص وعده، فبمجرد وصوله إلى مكة أرسل زينب إلى النبي بالمدينة آمنة، فاعترضتها قريش لمنعها من الهجرة، فأعلن الحرب عليهم عشقا لزينب وتقديرا لرسول الله، وظل مفارقا لها حتى قُبيل الفتح، حيث خرج إلى الشام في تجارة له، وهو عائد إلى مكة اعترضته سرية إسلامية، فأخذت العِير وأسرت الرجال، ونجح أبو العاص أن يفلت منها، ودخل المدينة ليلا خفية، وذهب إلى زينب يستجير بها فأجارته، ولما خرج النبي لصلاة الفجر، ودخل في صلاته صرخت زينب من صفوف النساء: أيها الناس أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه، فلما انتهى النبي من الصلاة التفت إلى الناس قائلا: «هل سمعتم ما سمعتُ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «والذي نفسي بيده ما علمتُ بشيء من ذلك حتى سمعتُ ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم، وقد أجرنا من أجارتْ زينب»، أي أن كل مسلم من حقه أن يجير من يشاء، ونحن نجير من يجيره، الجميع سواء في ذلك لا يقلّون عن زينب بنت محمد، الله الله يا رسول الله على ترسيخ مبدأ “المساواة والعدالة” بين المواطنين في الحقوق والواجبات!! هذه هي المواطنة والوطنية، فنعم الحاكم أنت !

– ثم انصرف النبي إلى بيته، وقال: “يا زينب أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلّين له”، وفي كلامه إشارة إلى أن زينب لم تكن تعلم بنزول تشريع تحريم الزواج أو استمراره بين المشرك والمسلمة أو العكس؛ لأنها كانت في مكة حينما نزل قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} عقب صلح الحديبية.

ــ ثم دعا النبي رجال السرية التي أخذت العير وأسرت الرجال، فقال لهم: «إن هذا الرجل منا حيث علمتم، وقد أخذتم ماله، فإن تحسنوا وتردّوا عليه الذي له كان ما نحب، وإن أبيتم فهو حق لكم مما أفاء الله به عليكم، قالوا: بل نردّ عليه ماله يا رسول الله، فلما جاء الرجل لأخذ ماله قالوا له: يا أبا العاص إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله وصهره، فهل لك أن تسلم، ونحن ننزل لك عن هذا المال كله، فتنعم بما معك من أموال أهل مكة وتبقى معنا في المدينة؟ فقال: بئس هذا الإغراء! تدعونني أن أبدأ ديني الجديد بغدر! رفض أبو العاص أن يدخل الإسلام بخيانة لأهل مكة، فكان تصرّفه نعم التصرف! فأعجب النبي بتصرفه.

ــ ومضى أبو العاص الأموال والقافلة إلى مكة، فأعطى كل ذي حق حقه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا يا أبا العاص، وجزاك الله عنا خيراً، فقد وجدناك وفيًّا كريما، قال: “أما وإني قد وفيت لكم حقوقكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يا أهل مكة والله ما منعني من الإسلام عند محمد في المدينة إلا خوفي أن تظنوا أني غدرت بكم فأكلت أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت ذمتي منها أسلمت”، نعم الأخلاق أخلاق أبي العاص! إنها الأخلاق العربية الكريمة .. صدق وأمانة ووفاء!

ــ ثم ذهب أبو العاص إلى المدينة، فأكرمه النبي وردّ إليه زينب دون مهر ولا عقد، وكأن فراقهما بمثابة طلقة واحدة، ثم مدحه النبي بقوله: “حدّثني فصَدَقَني، ووَعَدَني فوَفَّى لي”.

ــ أما آيــة {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ .. وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا} فلم تنزل في أبي العاص، وإنما نزلت بعد غزوة بدر في صحابي أرسله النبي إلى مكة ليأتي برجل مسلم ســرًّا، فلما دخل مكة رأى امرأة جميلة كان يحبها وتحبه في الجاهلية، فطلبته في الحرام كما كان يأتيها من قبل فرفض، فطلبته زوجا فوافق، لكنه اشترط أن يستأذن رسول الله، فلما رجع إلى المدينة وقص قصته للنبي نزلت هذه الآية.

 

                      بقلم أ.د علاء إسماعيل الحمزاوي_ رئيس قسم اللغة العربية _بآداب المنيا

قصص حب – قصص حب

 

 

 

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.