د. مصطفى الطحاوى يكتب: رائحة المرض

دعونا نجلس نلتقط أنفاسنا ونرى الموضوع قليلاً بِعَيْن الاعتبار.. أريد أن أناقش معكم أمراً ما.

 

الآن قد انتشر الفيروس فى كل مكان، وأخذ من الزمان ما يقارب الشهر حتى الآن وأكثر.. وأصاب الصغير والكبير.. ونحن نعلم أنَّه ما نزل بلاء إلَّا بذنب، وما رُفع إلَّا بتَوبَة.

 

هذا ما نُؤمن به – أقصد نحن فى العالم العربى والإسلامى-  ولكن ما بال وذنب الدول الأخرى فى شرق الأرض وغربها وهذا يتعارض تماماً مع القاعدة الدنيوية الثابتة بـ”إنَّ اللَّه ينصر الأُمّة العادلة حتَّى لو كانت كافرة، ويخسف بالأُمّة الظالمة حتَّى لو كانت مسلمه”؟.

 

لماذا حدث هذا معهم مع وجود ضحايا كُثُر فى الأنفس وتداعيات خطيرة فى البنية التحتيّة لهم وثرواتهم.. مع إنَّهم أمام أعين العالم كلُه يمتلكون الكثير من:- العدالة الاجتماعيَّة والاقتصاديّة والثقافية، والكثير من العلم والعمل ما يفوقنا بمئات السنين؟!

أرى بلبلةً الآن فى الألسن مع تقلُّب الأعين واتساعها..

 

أُجيبكم: لو ألقى سؤال صعب جدَّاً على مجموعة من التلاميذ فى فصلٍ واحد.. فماذا سيفعلون؟

 

التلميذ الفاشل الضعيف سيُسقَطُ فى يَدَيْهِ.. لا محالة؛ أمَّا التلميذ الناجح القوى فسيُعانى قليلاً ولكنَّه غالباً سيهتدى للإجابة بُناء على ما تعلَّمه واستذكره من قبل بجد واجتهاد واستمراريّة.

 

هذا ما حدث ويحدث معنا بالضبط الآن..

 

كلُّنا تلاميذ على وجه هذه البسيطة.. ولكن؛

 

هل تعلَّمنا ممَّا سبق؟ ممَّا مرَّ بنا من ابتلاءات وأحداثٌ جسام فى تاريخنا القديم والمعاصر.. لا.

 

هل استفدنا من تجارب السابقين أو تأثّرنا بما يفعله الآخرون الحاضرون وأخذنا على عاتقنا التحسُّن فى جميع مجالات الحياة بقدر الإمكان، أو على الأقل نصفها.. الفرد قبل المجتمع والمجتمعات تحتوى الأفراد.. لا.

 

هل الجدار المثقوب كمثل الجدار الصلب الصلد القوى المتماسك.. الإجابة دائماً وأبداً لا.

 

 

 

لكن مع وجود الحروب فى سوريا والعراق واليمن وغيرهم لأجل الحفاظ على السلطة أو لأجل مصالح دنيويّة تافهة.

 

ومع السماح لدول عربية وإسلامية بفتح الكازينوهات وأماكن الرقص والغناء والدعارة والمساعدة على انتشارها.

 

ومع ظهور وانتشار السفهاء والجهلاء وذوى اللاقيمة وقامة (الرُّوَيبضة كما قيل) فى دولة عظيمة مثل مصر- وهى المنارة والكنانة- فى مختلف وسائل الإعلام مع السماح لهم بنشر جهلهم وبذاءتهم على حساب العلماء والمثقّفين والأدباء ومن يمتلكون فنَّاً حقيقياً وما أكثرهم فى مصر.

 

لا أعتقد أنّه سيكونُ هناك تقدُّمٌ وازدهار وإيناعٌ للزهور كما كان من قبل، ولكن هناك حالة من التدهور والسقوط بطريقة لا يتخيّلها عقل.

 

هناك بَنْدَان -إن أُجيزَ لى القول- أساسيان فاصلان منذُ قديمِ الأزل هما بمثابة عقد اتفاق بين طرَفَين؛ الطرف الأوَّل وهو الخالق القوى سبحانه وتعالى تنزّه عن كل عَيْبٍ وسوء والطرف الثانى وهو المخلوق الضعيف الإنسان الملئ بالعيوبِ والأسواء.

 

الاتفاق الأوّل: (إن يعلمِ اللَّه فى قلوبِكُم خيراً يُؤتِكُم خيراً) أى على قدر النوايا تكونُ العطايا.

 

هل هناك فى قلوبنا خير؟.. ج: لن أقول لا قاطعة، ولستُ من أنصار النظرة التشاؤمية وإمحاق الحق تماماً، ولكن هو خيرٌ مشوبٌ بِشرّ.. هو ليس خيراً صفيَّاً نقيَّاً خالصاً للّه عزَّ وجلّ على طول الخط ولا حتى فى أغلب الأوقات.. قلوبنا كمثل ورقةٍ بيضاء بها العديد من النقط السوداء.

 

ولاحظوا أنَّه قد قال “فى قلوبكم” وليس “من قلوبكم”.. كلنا نُعطى ونُقدِّم الخير ولكن ليس نابع من بواطننا الحقَّة، ولكن من غلافنا الخارجى ممَّا يظهر للنّاس.. كما نقول بلهجتنا العاميّة المصريّة “عتب وملامة”.

 

الاتفاق الثانى:(إنَّ اللَّه لا يُغَيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفُسِهِم).

 

هل غيَّرنا ما بأنفسنا؟.. ج: أعتقد للأسف- وضَّحتُ ذلك فى الأسطر السابقة حصراً وأمثلةً.

 

إذن..رائحة المرض التى نشمّها من حولنا وتكاد تضيّق الخناق علينا وتقترب منَّا ونحن نتربّص بها مرعوبين كتربُّص صاحب البيت وراء الباب بالعصا فى انتظار دخول اللص حتى يضربه على رأسه.. هى رائحة مزيَّفة!

 

الرائحة الحقيقية- لو أمعنّا التفكير وازددنا تركيزاً – سنجدها نابعة من أنفسنا نحن.. من داخلنا.. من بواطننا.. من كل واحدٌ منَّا.

أسأنا لأنفُسنا فأسيئ إلينا.. إنَّ الدودَ لا يهاجمَ إلَّا العَفَن.

 

والسلام عليكم ورحمةُ اللَّه وبركاته

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.