انتفاضة الخبز.. احداث 18 و19 يناير 1977 …!!

فى كل مرة ترتفع الأسعار, يخرج المحللون من مخابئهم ليعلنوا أن انتفاضة الخبز الشعب قادمة وأننا على مشارف تكرار أحداث 17/18 يناير 1977، لكن سرعان ما تخيب آمالهم وتتبخر أمانيهم، ويبقى الشعب على هدوئه القاتل, لا انتفاضات, ولا ثورات, ولا شىء يتحرك من مكانه. فقط تنشط ماكينة تحليلات تعدد أسباب تأخر الانتفاضة, وهى أسباب تتأرجح طبقاً للمحللين بين ضعف إدارة الشعب, وغياب نخبة سياسية قادرة على إزالة الخوف من نفوس الناس, وازدياد القبضة الحديدية لأجهزة الأمن التى لم تعد تخشى بعبع يناير. وتغير قوانين العمل.. هناك 77 سبباً للغضب, لكن من المتعذر تكرار انتفاضة 1977.

 

قامت في مصر في 18-19 يناير 1977، على نظام الرئيس أنور السادات في جميع المدن الرئيسية تقريبًا من الإسكندرية إلى أوان مرورًا بالقاهرة؛ بسبب مضاعفة أسعار مواد غذائية أساسية بينها الخبز.

السبب المباشر لقيام الانتفاضة هو استيقاظ الشعب المصري في صباح 18 يناير على قرار حكومي يقضي برفع أسعار سلع أساسية مثل الخبز والشاي والأرز والسكر واللحوم والمنسوجات، وغيرها من السلع الضرورية بنسبة تصل إلى الضعف. وفرض حظر التجوال ونزل الجيش إلى المدن للسيطرة على المظاهرات وأعمال التخريب التي استهدفت المباني الحكومية والمحلات التجارية، واعتقل الآلاف من المتظاهرين من العمال والطلبة.

 

ورغم اضطرار الحكومة للتراجع عن قرار رفع الأسعار، واصل السادات وصف انتفاضة الخبز في خطبه بانتفاضة الحرامية؛ بسبب أعمال سلب استهدفت المجمعات.

 

قبل 77 قامت قطاعات عمالية كثيرة باضطرابات وانتفاضات في 75 و76 فقد كان شعب مصر يحلم بالرخاء الاقتصادي الذي وعد به أنور السادات بعد حرب 73 وتحوله من الاشتراكية إلى الرأسمالية وتقربه من الولايات المتحدة. إلا أنه في يوم 17 يناير 1977، أعلن نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والإقتصادية الدكتور عبد المنعم القيسوني في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الإقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفى مصانع الغزل والنسيج في شبرا

الخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية و بدأ العمال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الإقتصادية وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام رافعة شعارات منها :

ياساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور

ياحاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين
سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه
عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال
هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة
بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض
لا اله الا الله، السادات عدو الله

 

في اليوم التالي اشتعل بركان الغضب العمال والطلبة والموظفون والعامة حتي السيدات، اندلعت المظاهرات وردد الناس هتافات الغضب ضد ممدوح سالم وزير الداخلية وضد سيد مرعي عضو مجلس الشعب وضد محمود أبو وافية وضد كثيرين ممن كانوا علي رأس نظام الحكم ومن أسوان إلي الاسكندرية تحطمت المحلات التجارية والمنشآت العامة والسيارات وسقط القتلي والمصابون »79 قتيلا و214 جريحا« وأعلنت حالة الطوارئ وغضب الرئيس السادات كما لم يغضب من قبل ونزلت القوات المسلحة لتعيد النظام بعد يومين من الفوضي.

 

وكان السادات أول من حمّل الشيوعيين مسئولية الأحداث وكثيرا ما أشار الي ذلك في أحاديثه الرسمية وغير الرسمية، ورفض الرئيس تسميتها بانتفاضة شعبية وأصر علي اطلاق وصف انتفاضة الحرامية عليها.

 

ويحكي أحمد بهاء الدين شعبان المتهم السابع في الأحداث ما حدث خلال الـ48  ساعة مسجلا وقائعها لحظة بلحظة في الوقت الذي كان طالبا بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وكان واحدا من زعماء الحركة الطلابية في الجامعة مع رجال من أمثال كمال خليل وأحمد عبد الله رزة ومحمد فريد زهران.

 

كان الطلبة في الصباح يتحدثون عن القرارات الصادمة، والغضب الذي يجتاح نفوس المواطنين، وتعددت حلقات المناقشة بين الطلبة وجرت اتصالات بطلبة المعاهد والكليات الأخري وتم الاتفاق علي تنظيم مسيرة لرفض القرارات تخرج من جامعة القاهرة وتتجه الي مجلس الشعب، ولم تمر لحظات حتي اخترق سيل الطلبة البوابات الحديدية للجامعة وعبروا كوبري الجامعة في اتجاه شارع قصر العيني عندما التقوا مع مسيرات أخري نظمها عمال منطقة حلوان الصناعية وكلما تحركت الجموع انضمت اليها الجماهير وهي تهتف »احنا الشعب مع العمال. ضد حكومة الاستغلال« ومن قصر العيني الي ميدان التحرير الي باب اللوق والناس لا تكاد تصدق أن ذلك يحدث.

 

يقول الشاهد: انضم الينا الصعايدة بجلاليبهم وعصيهم ولوحت سيدات تلبسن السواد لنا، ووقف عجوز بشعر أبيض يذكرنا بثورة 1919 التي عاشها ورآها بعينيه وبدأ إطلاق الرصاص وسمع الناس أصوات انفجارات وشاهدوا نيرانا وعرفوا وقتها الغاز المسيل للدموع وخرجت المجموعة العسكرية بهرواتها تضرب من تضرب وتخطف من تخطف بينما لجأ المتظاهرون الي إلقاء الطوب علي قوات الأمن كرد فعل للرصاص المطاطي والقنابل الخانقة

المطالبة بالحرية

في اليوم التالي تجمع الطلبة والشباب في ميدان التحرير واتجهت الهتافات الي اتجاه جديد تمثل في المطالبة بالحريات وتحولت الانتفاضة أو الهبة من انتفاضة اقتصادية الي انتفاضة سياسية. إن بهاء الدين شعبان ينقل لنا بعض هتافات ذلك اليوم فنجدها تطالب بحرية الرأي وعودة التعددية الحزبية، لقد تضمنت تلك الهتافات ما يلي: »أول مطلب يا شباب.. حق تعدد الأحزاب«، »تاني مطلب يا جماهير.. حق النشر والتعبير«، »تالت مطلب يا أحرار.. ربط الأجر مع الأسعار«، وينفجر الغضب الشعبي في وجه ممدوح سالم ويهتف البعض »ادي اديله ممدوح هنقطع ديله« وهو لا شك يذكرنا بغضب البعض في الوقت الحالي تجاه الحكومة فيتركز الهجوم علي أحمد نظيف رئيس الوزراء.

 

وتستعر المعركة بين قوات الأمن المركزي وبين الغاضبين ويخلع المتظاهرون بلاطات الشوارع ويلقونها علي قوات الأمن، وتتقدم الجموع نحو قصر عابدين وهي تهتف »يا حاكمنا من عابدين.. فين الحق وفين الدين«، ويتجه البعض نحو الجامعة الأمريكية وهم يهتفون »يا أمريكا لمي فلوسك.. بكره الجيش العربي يدوسك« ويسقط الجرحي وتتعالي الصرخات ويجري الناس وتسود الفوضي ويضطرب الجميع ويشاهد الناس لأول مرة قوات الجيش والتي يكنون لها احتراما خاصا ولولا نزولها ما توقفت الأحداث.

 

إخماد الانتفاضة

استمرت الانتفاضة يومي 18 و19 يناير وفي 19 يناير خرجت الصحف الثلاثة الكبري في مصر تتحدث عن مخطط شيوعي لاحداث بلبلة و اضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم و قامت الشرطة بالقاء القبض علي الكثير من النشطاء وزاد العنف في ذلك اليوم ثم اعلن في نشرة اخبار الثانية والنصف عن الغاء القرارات الاقتصادية ونز ل الجيش المصري لقمع المظاهرات واعلنت حالة الطورايء وحظر التجول من السادسة مساءا حتي السادسة صباحا.

 

محاكمة الثوار

فيما بعد تم القبض علي 176 متهما ووجهت اليهم 7 تهم رئيسية كفيلة بوضعهم في السجن حتي آخر حياتهم إلا أن القاضي الذي اختير لنظر القضية كان مثالا يحتذي في النزاهة والوطنية والاستقلال وهو المستشار حكيم منير صليب ومعه عضوان هما المستشار علي عبد الحكم عمارة وأحمد محمد بكار وقد استمر نظر القضية منذ أبريل 1978 حتي أبريل 1980 وصدر الحكم بمعاقبة 11 متهما بالسجن ثلاث سنوات وحبس 9 متهمين سنة واحدة وبراءة الباقين تماما، ولم يكن من الغريب أن تضم قائمة المتهمين كثيرا من كوادر الحركة السياسية حاليا مثل المهندس كمال خليل، الحقوقي أمير سالم، الشاعر أحمد فؤاد نجم، الشاعر سمير عبد الباقي، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، طلعت رميح، محمد عزت عامر، ومن بين الصحفيين الأستاذ حسين عبد الرازق، عبد القادر شهيب، رشدي أبو الحسن، الفنان زهدي رسام الكاريكاتير.

 

ولا شك أن قوة الحركة الطلابية ساهمت في اتساع الاحتجاجات والمظاهرات، ولا شك أيضا أن هذه الحركة الطلابية كانت نتاج غليان وغضب شعبي يمتد من تاريخ نكسة يونيو 1967. لقد ساهمت ثلاثة مصادر قوية في دعم وتنمية الحركة الطلابية المصرية عند عودتها مرة أخري في النصف الثاني من الستينيات أولها انطلاق الثورة الفلسطينية التي مثلت الرد الموضوعي علي الهزيمة، وثاني المصادر كان يتمثل في صمود ڤيتنام أمام الولايات المتحدة في حرب غير متكافئة، كانت ڤيتنام تمثل فيها دور الشعب المسالم الأبي. أما ثالث المصادر فكانت شخصية تشه گـِڤارا التي عبرت بقوة عن التضحية بالنفس ورفض إغراءات المناصب والثراء والانتصار للبسطاء.

 

كتبت  ايمان حاكمهم

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.