الدكتور علاء الحمزاوي يكتب: شكر الطاعات

من فضل الله على المسلمين أنه يضاعف ثواب أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها فأكثر، فالصلوات الخمس بخمسين في الأجر، وصيام يوم يبعد وجه صاحبه عن النار سبعين سنة، وصيام رمضان وستة من شوال كصيام العام، وثواب ليلة القدر خير من ثواب عمل الإنسان طيلة عمره، والعمل الصالح في عشر ذي الحجة خير من الجهاد في سبيل الله، وصيام يوم عرفة يغفر ذنوب سنتين ماضية وقادمة، والحج يمحو ما سلف من الذنوب، والأعياد مواسم للطاعات شُرِعت ليفرح بها المسلم أن وفّقه الله للعبادة والطاعة، ومع كل هذا الفضل الإلهي يشكر الله العبد على طاعته وعبادته، قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا}، وشكر الله للعباد قبول أعمالهم وإثابتهم الثواب الجزيل على العمل القليل.

ــ ألا يستحق ربنا الشكر أن يسّر لنا الطاعات ووفّقنا لها؟! وقد أقسم أن الشكر على النعم والطاعات يجلب للعبد مزيدا من العطاء، فقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، والشكر عبادة يحبها الله ويرضى عن صاحبها، قال تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، وربط الله الشكر بالتعبّد الحق لله، فقال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، والشكر لا ينفع إلا صاحبه، قال تعالى: {ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، والشكر حجاب لصاحبه من النار، قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}، لكن ما هو الشكر؟ هو الإقــرار والاعتراف بفضل الله، ضدّه الجحود والنكران، والجحود بفضل الله كفـــر؛ لذا قال سليمان: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُــرُ}، والجاحد لا يضرّ إلا نفسه، قال تعالى: {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

ــ والشكر يكون الدعاء والذكر والعمل الصالح، والشكر بالدعاء نلمسه في دعاء سيدنا إبراهيم بعد أن انتهى من رفع قواعد البيت الحرام حيث قال: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .. وتبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم}، ومن دعاء سليمان في القرآن {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}، وكان من وصايا النبي في الدعاء عقب الصلاة “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”، فيجب أن نقتدي بهم عقب كل عمل صالح شكرا لله أن وفقنا له.

ــ أما الشكر بالذكر فقد أمرنا الله به عقب كل عبادة، ففي سياق رمضان قال تعالى: {ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، أي عليكم بالذكر عند انقضاء عبادتكم شكرا لله أن وفقكم للصيام، وفي الحج قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وفي الصلاة قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ}، وكان الصحابة لا يعرفون انقضاء صلاة النبي إلا بالتكبير.

ــ ومن الشُّكْرِ أَنْ يظلّ لسانُكَ رَطْبًا مِنْ ذكْر اللَّهِ، وفي الحديث “مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ”.

ــ أما الشكر بالعمل فما أسهله! سأل النبي صحابته ذات يوم: “من أصبح منكم اليوم صائما؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من تبع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من أطعم منكم اليوم مسكينا؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من عاد منكم اليوم مريضا؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: والله ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة”، وسأل شاب النبيّ أن يكون رفيقه في الجنة، فأجابه بقوله: “أعنّي على نفسك بكثرة السجود”، وفي رواية “عليك بالسجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطّ عنك بها خطيئة”.

ــ وكان النبي يكثر من التنفل حتى تورمت قدماه، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: “لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فقال: أفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورا”؟!

ــ فاشكروا الله على تيسير الطاعة لكم، فالطاعة نعمة وتيسيرها فضل من الله، والتَّحَدُّثُ بها شكر، فمَنْ أَثْنَى على الله فَقَدْ شَكَرَ، وأجمل الثناء “لا إله إلا أنت سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.